Mar 15, 2011

مطرب تونسي يغني ضد الرقابة على الشبكات الاجتماعية



منى كريم

لم تتوقع الأنظمة العربية أن تتحول الشبكات الاجتماعية على الإنترنت إلى أداة تساعد شعوبهم على الانتفاض في وجوههم، ولم ير أحدهم بأن المسألة قد تتعدى كونها مكان لإضاعة الوقت أو في أسوأ الحالات عملية تفريغ شحنات سياسية يمارسها الشباب الذي يبحث عن التغيير بمشاعر من اليأس. نظام زين العابدين بن علي كان حذراً في هذا الاتجاه في شهوره الأخيرة، وقام بعملية إلكترونية صدمت العالم من خلال اختراق شبكة الفيس بوك وسرقة معلومات كل المشتركين من تونس حتى تم حل المشكلة لاحقاً، كما لم يغب على هذا النظام أهمية حجب الكثير من المواقع ومن بينها اليوتيوب الذي فضح ممارسات النظام التونسي القمعية وغير الإنسانية.
رداً على هذه الحملة التعسفية ضد حقوق الإنسان وحريات التعبير التي نجدها في الكثير من بلادنا العربية ودول العالم الثالث، قام الشباب التونسي بحملة بعنوان «سيّب صالح... يا عمار» حيث يتم استخدام اسم «عمار» كرمز للنظام التونسي. ولدعم هذه الحملة بكافة الأشكال، شارك أشخاص من تونس وخارجها في هذه الحملة من خلال استخدام عنوان الحملة بطرق إبداعية مرئية على الأغلب ينشرها مديري الحملة الذين يمتلكون موقعاً على شكل مدونة بالإضافة إلى صفحة في الفيس بوك والتويتر والتامبلر.
أحد أهم الأسماء التي انضمت لهذه الحملة هو الفنان التونسي منير الطرودي المقيم في باريس والذي أقام حفلاً موسيقياً أخيرا في مهرجان القرين الثقافي في زخم الأحداث التونسية وقبل هروب الرئيس التونسي السابق. الأغنية جاءت بذات عنوان الحملة «سّيب صالح» وقدم لها المطرب بحديث قصير عن أهمية التواصل وحفظ الحريات مرتدياً تي شيرت باللون البرتقالي كتب عليها «تواصل». وخرجت الأغنية قبل عدة أشهر قبل انطلاقة الثورة التونسية، إلا أن البعض اتخذ منها شعاراً له في التظاهرات ضد السلطة التونسية في شهري ديسمبر ويناير الماضيين.
ورفض الطرودي في مناسبات مختلفة أن تكون أغنيته دافعاً حرك الشعب التونسي وقال بأنهم ليسوا بحاجة لأغنية لتحركهم فقد كانت معاناتهم سبباً لقلبهم النظام، وأن أغنيته جاءت امتداداً لحملة شبابية تونسية ضد حجب مواقع الشبكات الاجتماعية والتلاعب بها كشكل من أشكال تضييق الحريات التي عاشها الشعب التونسي على مدى عقود من الزمن. وتأتي كلمات الأغنية وطريقة أداء الطرودي لها بأسلوب ساخر وطريف على عكس الأسلوب الذي اعتدناه من هذا المغني المميز الذي يبحث عن المزج بين روح الثقافة الشرقية وعبقرية الموسيقى الغربية.
ويقدم الطرودي معظم أعماله بلمسة صوفية وبدوية وكثيراً ما تأتي كلمات أعماله في هذا الاتجاه وكذلك الأزياء التي يرتديها في حفلاته ولحيته التي تجعل منه رجل صوفيا متجلٍا بموسيقاه وألحانه. ومن الملاحظ أن الفنان التونسي ركز على تقديم هذا النوع من الأعمال في حفلته الكويتية بالاشتراك مع الفرنسي إيريك تروفاز، كما أنه لم يغن آخر أغانيه «سّيب صالح» لسبب غير معروف أو لربما لمحاولته الحفاظ على النوع الموسيقي المشترك الذي يستمر في تقديمه مع تروفاز في فرقة تعتمد على الذكاء الصوتي التكنولوجي وبوقيات وإيقاعات موسيقى الجاز. وكان البعض قد توقع بأن أغنية الطرودي الأخيرة تسببت في تأخير إصدار ألبومه الجديد، لكنه نفى الخبر بقوله أن الأحداث التونسية تسببت في التأخير ليقول بأنه «تأخير لذيذ» لأن تونس تحررت من الطاغية أخيراً.
وقد عاني الطرودي من النظام التونسي السابق والذي سبق وأن ضايق زوجته بعدة طرق اضطرتها للاختباء حينما كان يقيم حفلاته في تونس، وهو ما دفع الفنان إلى إصدار ألبوم بعنوان «سلوى» أهداه لزوجته وابنته. وفي آخر تصريح لمنير الطرودي، وجه الفنان التونسي رسالة للفنانين المصريين لمساندة ما أسماه «الانتفاضة الشعبية» فالطرودي معروف بمواقفه السياسية للأنظمة القمعية ولطالما قدم أعمالاً لنضال شعبه ضد اضطهاد السلطة. وكان الطرودي في تصريحه حاداً وصريحاً بقوله ان من يقفون ضد الشعوب يسقطون من التاريخ باعتبارهم «مرتزقة» وبأن أولئك الذين يخاطرون بكل شيء من أجل الوقوف مع شعوبهم ومطالبهم الشرعية هم من يتركون بصمة في الذاكرة الفنية والشعبية في آنٍ واحد.
«سيّب صالح يا عمار» هي ليست مجرد أغنية غناها مطرب تونسي رصين ومميز بل هي في الحقيقة حركة شبابية انطلقت في تونس وتعبر عن قضية كبرى يعيشها الشباب العربي جراء الرقابة التي تمارسها السلطات السياسية والدينية متحججة بحماية المجتمع وهويته وتقاليده واستقراره، إلا أن هذه الحملة لا تكتفي بإرسال رسالة ضد القمع الفكري وفضح ممارسات بعض الحكومات ضد شعوبها، بل هي انطلاقة شبابية للتغيير ومحاسبة أولئك ممن يمارسون الوصاية على العقول مع التأكيد على أن لكل رقابة ثغرة للاختلاق، والنموذجان التونسي والمصري أفضل مثالان على أن الحرية لا يمكن أن تحبسها في قفص.

الراي

No comments:

Post a Comment