Mar 17, 2011

الأخوان الكويتي بين المأساة العراقية والملهاة الإسرائيلية


منى كريم
داوود وصالح عزرا الكويتي من اليهود القلائل الذين لا يتعدون عدد الـ 100 شخص من مواليد الكويت بعد أن هاجرت عائلتهم التي عملت في التجارة من البصرة إلى الكويت مع ما يقارب 50 عائلة يهودية أخرى. وظهرت موهبة الأخوين (صالح 10 سنوات، و داوود 8 سنوات) لأول مرة حين عاد عمهما من الهند جالباً لهما عوداً وكماناً فبدأ صالح دراسة الموسيقى ومن ثم إعادة توزيع موسيقى أغنية «والله عجبني جمالك» التي مازالت ترددها الإذاعات الخليجية المختلفة بصوت سليمة مراد وداوود الكويتي وهي في الأصل إحدى أغاني عبد الله الفرج مؤسس فن الصوت الكويتي.
وعن بداياته تحدث صالح الكويتي بعد سنة من وفاة أخيه داوود 1977 عبر إذاعة صوت إسرائيل قائلاً: (ولدت ونشأت في الكويت حيث كان والدي يعمل، كنت معجباً بالموسيقى والشعر كثيراً وحين أصبحت في سن العاشرة دخلت المدرسة لأتعلم الإنجليزية والعربية والديانة اليهودية. لكنني أحببت دراسة الموسيقى، وفي الكويت كان التعليم الموسيقي مقتصراً على الموسيقى الكويتية والبحرينية واليمانية والحجازية التي تعلمتها على يد عواد ماهر اسمه خالد البكر، ثم تركت العود وتعلمت الكمنجة التي أميل لها أكثر. وحين أصبحت ماهراً بالأغاني الكويتية وشبه الجزيرة العربية غناءً وعزفاً بدأت أنا وأخي داوود بجلب أسطوانات من العراق لأتعلم المقامات والمغنى العراقي المصري والسوري واللبناني، وكنت أتدرب عليها عزفاً وغناءً. وكانت «والله عجبني جمالك» أول أغنية أقدمها بمشاركة أخي داوود أمام شيوخ الكويت آنذاك الذين قاموا بتشجيعي كثيراً حيث كنت أنا وأخي نقيم حفلات عند تجار الكويت وشيوخ الكويت منهم المرحوم عبد الله المبارك وأحمد الجابر. الحق يقال «إن الكويت أحسن بلدة شفتها في حياتي» هادئة، لا توجد فيها تعديات، وفيها مساواة، أي بالعربي الفصيح: «افتح بابك ونام». وفي الكويت كان فن الإيقاع أكثر شهرة من أي نوع موسيقي آخر حيث يعزف الكويتيون على المرواس ويرقص الرجال رقصاً موزوناً غير موجود في أماكن أخرى.
من ثم أصدرنا في العراق أول أسطوانات لنا عام 1926، 1927، 1928 وهي ليست من ألحاننا بل هي أنغام يمانية وكويتية وبحرينية وحجازية منها: يعاهدنني لا خانني ، والله عجبني جمالك، في هوى بدري وزيني، إن شكوت الهوى، لعل الله يجمعنا قريباً، لولا النسيم، نضت عنها القميص، إن وجدي، جرحت قلبي، ألا يا صبا نجد وغيرها).
وهنا نلاحظ بأن صالح كان متأثراً بالتراث الكويتي حيث قدم الكثير من أغاني التراث الكويتي بأصوات عراقية وعربية مختلفة كناظم الغزالي وسليمة مراد ومنيرة الهوزوز وحضيري بوعزيز ونرجس شوقي وزكية جورج ..الخ وعلى الرغم من صغر سنهما إلا أنهما رغبا بالذهاب إلى البصرة بحيث يجدان من يحتضنهما فتلقفت شركات التسجيل العراقية الأخوين الكويتي وأصبحت أغانيهما تشغل الجميع في المملكة العراقية. وفي البصرة توجه صالح لدراسة آلة القانون على أيدي أهم الموسيقيين منهم حنا بطرس يوسف زعرور الصغير بالإضافة إلى تعلم المقامات. ومن ثم بدأ الأخوان بالغناء في الحفلات المختلفة محققين نجاحاً ساحقاً مكنهما وعائلتهما من الانتقال إلى العاصمة بغداد.
موسم الهجرة إلى بغداد
مرحلة الانتقال إلى بغداد مثلت الكثير بالنسبة للأخوين بما أن بغداد ذات أهمية فنية وموسيقية بين دول الشرق الأوسط، هناك، دأب صالح الكويتي على الالتحاق بالمدارس الموسيقية المختلفة التي ثقفته في الموسيقى الشرقية والغربية وجعلت الكثير من المطربين يرغبون بالحصول على ألحان منه لأغانيهم منهم المطربة العراقية اليهودية سليمة مراد باشا –زوجة سفير الغناء العراقي ناظم الغزالي-. ولم تقتصر شهرتها على الموسيقى العراقية بل وصلت إلى مسامع السيدة أم كلثوم التي بحثت عن صالح بمجرد وصولها إلى بغداد على الرغم من أنها قلما تترك أغانيها لملحنين غير مصريين. ومن الأغاني التي لحنها صالح الكويتي أغنية سليمة مراد التي غنتها أم كلثوم «قلبك صخر جلمود» بل وساعدتها «الست سليمة» في نطق الكلمات العراقية الصعبة.
بعدها قدم محمد عبد الوهاب إلى بغداد باحثاً عن الأخوين الكويتي عام 1932 ليدهش الأخوين بقوله إنه راغب بأن يتعلم على يديهما بعض أسرار موسيقاهما الخاصة والتي تأثر بها عبد الوهاب في موسيقاه لاحقاً. وقد عمل الأخوان في تلك الفترة مع سيد المقام العراقي محمد القبنجي والفنان عزيز علي الذي تزوج إحدى أخواتهما، كما قاما بتأسيس معهد موسيقي صغير لتدريس النظريات الموسيقية والمختلفة حيث قاما بالعمل على «نوتة محسنة» سميت بـ «النوتة الكويتية» تقديراً للأخوين.
عدا قيام صالح الكويتي بتلحين قصيدة الشاعر الهندي الشهير طاغور الذي زار بغداد عام 1934 والتي ترجمها جميل صدقي الزهاوي «يا بلبل غني لجيرانك» والتي غنتها المطربة السورية التي اشتهرت في العراق زكية جورج. وعلى الرغم من أن طاغور لا يجيد العربية إلا أنه أعجب باللحن كثيراً. من ثم غناها المطرب عبد اللطيف الكويتي في تلفزيون الكويتي الذي عرضها بشكل مستمر. من الجدير بالذكر أن صالح قام بإعادة توزيع أغنية عبد الله الفرج «في هوى بدري» التي استخدم عبد الحليم حافظ لحنها في أغنيته «يا هلي» لاحقاً.

الأخوان الكويتي والملك فيصل
وصلت شهرة الأخوين الكويتي إلى البلاط الملكي في العراق حتى أصبحا من الموسيقيين المفضلين لدى الملك فيصل الذي جعلهما يلحنان أغاني لمناسبات البلاط الملكي المختلفة. وفي عام 1936 طلب وزير المعارف العراقي من الأخوين الكويتي المشاركة في تأسيس أول إذاعة في مملكة العراق بمشاركة المطربة المصرية فتحية أحمد. ومنذ تأسيسها حتى هجرتهما إلى إسرائيل كان الأخوان يقدمان الأوركسترا في الإذاعة العراقية وفي إذاعة الملك فيصل الخاصة، وهما أول من قدما الأوركسترا العربية في إسرائيل.
واستمرا الأخوان في تقديم عروضهما في عدة دول عربية حتى خمسينيات القرن الماضي وسجلا مئات الأعمال منها «خدري الشاي خدري»، «خايف عليها»، «على درب الهوى»، «كَلي يا حلو منين الله جابك»، «أسمر بعينه كتلني»، «الهجر مو عادة غريبة» و»ميحانة». وبالإضافة إلى شهرتهما لهما معرفة بالمقامات وموسيقى العتابا. عملا الأخوان في تلحين أغان لبعض الأفلام السينمائية كروميو وجولييت.

حياتهما في إسرائيل
طوال مسيرتهما الفنية لم يخف الأخوان هويتهما اليهودية وعملهما على دعم التجمع اليهودي في العراق فنياً أو سياسياً. وتختلف المصادر العراقية والإسرائيلية على تسمية ذهابهما إلى إسرائيل ما بين الترحيل والهجرة. فالمصادر العراقية واليهودية العراقية تؤكد على أنهما كانا مجبرين على الرحيل مع من غادروا بغداد خلال الخمسينيات، بينما المصادر الإسرائيلية تؤكد على أنهما اختارا ترك كل شيء ورائهما والذهاب إلى موطنهما الجديد رغم أن أمير الكويت آنذاك والذي كان معجباً بموسيقى الأخوين كثيراً حاول إقناعهما بالبقاء. يقول شلومو صالح الكويتي إن والده كان مصراً على قراره ولم يكن بإمكانه أن يلحق بالطائرة. وقد أصدر شلومو منذ فترة أسطوانة تحتوي على أشهر أغاني أبيه وعمه التي سبق أن قوبلت بالإنكار العربي العراقي والتجاهل الإسرائيلي تحت عنوان «نجمهما لن يبهت أبداً». ما هو مؤكد أن عائلة الكويتي بأكملها استُقبلت بشكل سيئ في إسرائيل حيث يهود إسرائيل يرفضون انضمام اليهود العرب إليهم بأي شكل من الأشكال. وعلى الرغم من غزارة إنتاج الأخوين في إسرائيل حيث قدما أعمالاً جميلة ومختلفة منها «مقام صالح في ثمود» و «شيبوني وأنا شاب» التي عرضها التلفزيون الكويتي بصوت عبد الحميد السيد إلا أن إسرائيل التي لم تكن قد أصبحت «أرض الميعاد» اضطرت الأخوين للعمل خارج مجال الموسيقى. وكذا تعامل بعض العرب والعراقيون مع الإرث الموسيقي اليهودي الذي حاولوا نسبه إلى مناطق مختلفة تتماهى مع لهجات اليهود دون أي احترام لما قدمه اليهود في مجال الموسيقى والفنون منطلقين في مسيرة مسح الأخوين من الإرث الموسيقي بشكل تدريجي بعد هجرتهما عبر منع بث أغانيهما وإخراج كل اليهود من الإذاعة العراقية إلا أن عملية مسح اليهود من الموسيقى العربية بلغت ذروتها مع وصول صدام حسين إلى الحكم كما يرى شلومو صالح الكويتي.
كما يضيف شلومو حول مسألة المعاملة الإسرائيلية لأبيه وعمه قائلاً بأنها معاملة مريبة حيث طلبوا من الأخوين أن يقدما موسيقاهم في إذاعة صوت إسرائيل باللغة العربية بالاشتراك مع فرقة يهود العراق إلا أنهما شعرا بالإهانة وبأنهما مجرد جزء من صورة منظمة تريد أن تقدمها السلطات الإسرائيلية. ويردف شلومو قائلاً: «لكن ذلك كان أقل وطأة من استماعهما لأغانيهما في الإذاعات العربية المختلفة دون ذكر أسمائهم فلقد أحب والدي وعمي العراق كثيراً وتركا ثروتهما في قصر الملك فيصل، إنهما مرتبطان جداً بالجمالية العربية. وهذا جعل والدي يمنعني من دراسة الموسيقى حتى إنني حسدت «دودو تازا» حفيد داوود الكويتي لأن جده ليس على قيد الحياة ليمنعه من أن يكون فناناً، وهو فنان معاصر ومهم في إسرائيل قام بتقديم أغان جدية في فيلم «سوف هالوم سمولا» الذي انتشر داخل إسرائيل وخارجها».
اعتذار متأخر
يقول مانديلا: «بإمكاننا أن نغفر لكن ليس بإمكاننا أن ننسى»، وهكذا هو حال الأخوين الكويتي اللذان تتم إذاعة وعرض أغانيهما عبر المحطات والإذاعات العراقية المختلفة. فمنذ سقوط صدام حسين بدأ الكثير من الباحثين محاولات لإنقاذ ما تبقى من الإرث الموسيقي العراقي و اليهودي خصوصاً وأخرى تسعى لتذكير الجمهور العراقي بالأخوين وفنهما العريق حتى إن الجمهور العراقي قبل سنتين اختار الأخوين كأفضل ملحنين مقامات من خلال تصويت نظمته إحدى القنوات العراقية.
من جهة أخرى يذكر شلومو أنه منذ صدور أسطوانة «نجمهما لن يبهت أبداً» لم يتوقف الجدل حول مسألة انتماء الأخوين الكويتي، فنجد الجهة الكويتية تعترف بأن الأخوين عملا في العراق بشكل رئيسي وبأنهما من أصول عراقية إلا أنه يجب اعتبارهما جزءاً من الإرث الكويتي، بينما خرجت المقالات اللبنانية متحدثة عن أن أهم الأعمال الفنية العربية هي يهودية في أصلها مما يذكر شلومو بما قاله والده عن عادة العرب في الخلط بين السياسة والفن. بينما تغيرت المعاملة الإسرائيلية تجاه الإرث اليهودي الموسيقي العربي فنجد أن الأجيال الجديدة تبحث عن هذا الإرث لربما باعتباره إرثاً موسيقياً عالمياً، ونرى أبناء المهاجرين اليهود العرب يبحثون عما يصلهم بإرث أجدادهم. 

5 comments:

  1. مقالة رائعة..فيلم وثائقي للأخوين الكويتي
    في الواقع هذه المرة الأولى التي اسمع بهما..جاري البحث الآن على اليوتيوب
    شكرا لك عزيزتي منى..على هذه المعلومات

    ReplyDelete
  2. وبالمناسبة صورتك الجانبية جميلة..تصلح ان تكون غلافا على ديوانك
    قد كبرت يامنى واصبحت اجمل.

    ReplyDelete
  3. I like your blog... Are you in Binghamton? I live an hour away in Ithaca...
    I just thought that this video is relevant to the topic:
    http://www.youtube.com/watch?v=vEhtDpg_yqE

    ReplyDelete
  4. سبحان الله، هل ياترا كل الدول العربية كانت منفتحة ومتحررة أكثر في الماضي منها في الحاضر؟ نفس الشئ لاحظته في تقريبا ما يخص كل الدول، تقريباً، يعني في الماضي كل الأديان والأجناس كانت متعايشة في سلام ووئام من غير أي مشاكل، والآن المواطنين في الدول العربية صاروا من اكثر الناس تعصباً والكل يريد افنفصال بنفسه وبإقليمه والكل يريد إقصاء الآخر وإلعاء نفسه هو ومعتقداته هو وقناعاته هو ورؤيته هو، صار الوضع أكثر من مجرد الإقصاء القائم على أسس دينية او عرقية، بل تعداه ليصبح ذو جوانب إقتصادية (غني وفقير)، جنسية (رجل وامرآة)، إقليمية (يمني جنوبي-يمني شمالي)-(صعيدي-اسكندراني)-(الخ)، والغريب ومثار التساؤل في الأصل هو ان العالم من حولنا يتقدم ويتطور بينما نحن في الدول العربية نسير للوراء. لو قلت لكم ان الواحد منا يحن ويفتقد ويشتاق لأيام الاستعمار الانجليزي لن يفهم كلامي احد وسيشتمني الجميع، كما ظلوا دائما يفعلون على عهدي بهم، ولكن الحقيقة ان الإدارة الأجنبية لبلادنا أخردتنا من ظلامنا وظلمنا، وعندما أعطتنا استقلالنا عدنا إلى كهوفنا. فلنهاجر نحن إلى بلادهم الآن ونعيش فيها بدلا من أن يقتل بعضنا بعضا ياعرب

    ReplyDelete